ثم بين المولى عز وجل أن الربا حرب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأمر عباده بالتقوى لأنها خير لباس وأفضل زاد من تحلى بها ترك المحرمات وأقبل على الطاعات ولكن وللأسف: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [سورة يوسف: 103]، فكيف يخوض عبد ضعيف لا حول له ولا قوة حرباً ضروس مع رب الأرض والسماء الذي له جنود السموات والأرض، بل له جنود ولا يعلمها إلا هو سبحانه، إنها حرب غير متكافئة من أقدم عليها من البشر فقد أهلك نفسه وأذاقها ألم العذاب ومر العيش في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [سورة البقرة: 278-279]، فكم نرى ونسمع من أهل الربا وآكليه والمتعاملين به عما حل بهم من جنود الله عز وجل، فالسرطان من جند الله وأمراض الشرايين من جند الله، والفقر من جند الله، والموت من جند الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [سورة المدثر: 31]، فالله جل وعلا رغب عباده في الحلال، وحذرهم من مطبة الوقوع في الحرام حتى يرضوا ربهم سبحانه ويخشوا سطوته وعذابه.
ثم جاء التحذير من الربا ولعن صاحبه وطرده من رحمة الله عز وجل وإبعاده عن مرضاته سبحانه وتعالى في قول بن مسعود رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الربا سبعون بابا؛ أدناها كالذي يقع على أمه» [الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1853- خلاصة الدرجة: صحيح لغيره].
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به رأى رجلاً سابحاً في بحر أحمر كالدم وعلى شاطئ البحر رجلاً واقفاً معه حجارة فيأتي الذي في البحر حتى إذا وصل الشاطئ ألقمه الذي على الشاطئ حجراً ثم يسبح حتى يصل وسط بحر الدم ثم يعود فيفقر فاه فيلقمه حجراً وهكذا فعندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن ذلك أخبره أن الذي في وسط البحر آكل الربا والعياذ بالله.
واعلم أيها الحاج أيها المسلم أن الربا وإن كثر فهو إلى قِلّ وأن بركته ممحوقة يقول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [سورة البقرة: 276]، فآكل الربا كافر كفر نعمة فخير الله إليه نازل وشره إلى الله صاعد قال تعالى: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [سورة العنكبوت: 67].
وكفران النعمة سبب لتغير الحال وكثرة الأرض والجنون والموت، وسبب لزعزعة الأمن وعدم الاستقرار، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [سورة النحل: 112]، فأكل الربا يترتب على أكله للربا الحرام أموراً عدة منها:
1- الذم والبغض من الناس حتى ممن يأكلون الربا مثله.